حرب الأفيون والكبتاجون- صراع النفوذ الاقتصادي والإدمان
المؤلف: محمد الساعد09.24.2025

في قلب القرن التاسع عشر، ونتيجة لحرب سريعة وحاسمة بين بريطانيا والصين، أرغمت المملكة المتحدة الإمبراطورية الصينية على استيراد مادة الأفيون المخدرة وترويجها بين مواطنيها، على الرغم من أن الإنجليز أنفسهم كانوا يحظرون الأفيون في أراضيهم، والجدير بالذكر أن السبب المباشر للحرب هو إصرار الصينيين على منع دخول الأفيون إلى بلادهم، الأمر الذي أثار حفيظة شركة الهند الشرقية البريطانية، التي أصرت بعناد على إجبار الصينيين على قبوله، وهكذا، اندلعت الحرب، وتكبد الصينيون هزيمة نكراء، ودخل الأفيون علنًا ليعيق تقدم الصين على مدى قرنين من الزمان.
ولولا المنافسة الشرسة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، واندفاع واشنطن القوي نحو الصين، ودعمها الاقتصادي المتزايد منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، لما تغير وجه الصين بالكامل، ولما أصبحت واحدة من أكبر القوى الاقتصادية في عالمنا المعاصر.
لقد كانت "حرب الأفيون" من أغرب الحروب التجارية التي شهدها تاريخ البشرية، حيث تحول عدد كبير من الصينيين إلى مدمنين شرهين لهذه المادة القاتلة، وأصبح من المشاهد المألوفة رؤية عشرات الآلاف من الصينيين يحتضرون في الشوارع بسبب الإدمان المدمر، وعلى الرغم من مساعي الحكومة الصينية اليائسة للتخلص من هذه الآفة، إلا أن ضعفها العسكري أجبرها على الخضوع للإرادة البريطانية أولاً، ثم للإرادة البريطانية الفرنسية لاحقًا، والامتثال لشروط قاسية أجبرتها على فتح أبواب بلدها أمام تجارة محظورة روجت لها شركة الهند الشرقية سيئة السمعة.
حرب الأفيون تذكرنا بشكل كبير بحرب الكبتاجون المدمرة التي شنها النظام السوري السابق وبعض التنظيمات الإرهابية المتواطئة معه ضد دول المنطقة والعالم أجمع، عندما تم تصنيع وتصدير كميات هائلة من حبوب الكبتاجون، واستخدمت في تلك الحرب الدنيئة كل الوسائل الممكنة لإنهاك شعوب المنطقة وإعاقة التنمية المستدامة وإبقائهم أسرى الإدمان الخانق، بالإضافة إلى تحقيق مكاسب مالية ضخمة تساعدهم في تمويل مخططاتهم الإرهابية الخبيثة.
الأمر المثير للدهشة في حرب الأفيون هو غياب أي منطق تجاري سليم، فالإنجليز أجبروا الصينيين على قبول شراء الأفيون بالقوة الغاشمة تحت وطأة معاهدات مجحفة أرغمتهم على فتح موانئهم أمام التجار الإنجليز، بل ومنحهم معاملة تفضيلية خاصة داخل الموانئ والمدن الصينية، وفي ضوء ذلك، استولت إنجلترا على إدارة مدينة هونغ كونغ الاستراتيجية، ولم تعدها للصينيين إلا في عام 1997 بعد مفاوضات طويلة وشاقة.
لا شك أن حرب الأفيون كانت حربًا تجارية في جوهرها، ولكن القوي (بريطانيا العظمى) استخدم كل الأساليب القذرة ضد الضعيف (الصينيين) بما في ذلك الأفيون، وفتح الأسواق أمام تجارها المتعطشين للوصول إلى المال الوفير وتوسيع نفوذها الذي لا تغيب عنه الشمس أبدًا، لقد كانت حربًا غير أخلاقية بكل المقاييس.
كان فرض الامتيازات التجارية منتشرًا على نطاق واسع في العالم منذ عام 1500 ميلادية، خاصة في المنطقة الواقعة بين الأسواق الأوروبية وأسواق الهند والصين مرورًا بالعالم العربي الغني، بعدما نشط البرتغاليون والفرنسيون والإنجليز وبدأوا في توسيع نطاق تجارتهم وتعزيز أساطيلهم البحرية الضخمة، فارضين تجارتهم بالقوة وعاقدين اتفاقيات ومعاهدات تخدم مصالحهم الأنانية، وكان من أشهرها اتفاقية الامتيازات العثمانية مع الفرنسيين والإيطاليين والإنجليز، التي نصت بوضوح على أنه "لا يجوز محاكمة الفرنسيين ومستخدميهم وخادميهم فيما يختص بالمسائل الدينية أمام المأمورين الأتراك"، كما تسمح البنود في حال وجود خلاف تجاري أو مالي بين أي من الرعايا الأوروبيين مع أحد العثمانيين، ولم يفِ الأوربي بالاتفاق فلا يسأل أبدًا.
اليوم.. هل يعيد التاريخ نفسه، مع اندلاع حرب تجارية طاحنة أخرى بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، ربما تكون أكثر خطورة وتدميراً؛ لأن ضررها قد يطال العالم أجمع بلا استثناء، إلا أنها ليست حرب الإدمان على الأفيون، بل حرب الإدمان على النفوذ والهيمنة والقوة الاقتصادية المتزايدة.
فالأمريكي يؤمن عن قناعة بأنه السبب الرئيسي وراء التفوق التجاري الصيني الحالي، وأنه لولا دخول التقنيات والاستثمارات الأمريكية الهائلة بداية السبعينيات الميلادية، ونقل عدد كبير من الصناعات الغربية المتطورة إلى الصين، لما كانت الصين اليوم بهذه العظمة والقوة الهائلة، والصينيون يرون أنه لولا مهارة عمالتهم ورخص أجورهم، لما استطاع العالم أن يجد بضاعة رخيصة في الأسواق، ولما تمكن الأوروبيون والأمريكيون من بيع منتجاتهم التي تعتمد بشكل كبير على المنتجات والعمالة الصينية، إنها حرب فرض القوة والنفوذ، وعض الأصابع المؤلم.. فمن سيتألم أولاً ويصرخ طلبًا للنجدة؟.. هذا هو السؤال الكبير الذي يطرح نفسه بقوة.
ولولا المنافسة الشرسة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، واندفاع واشنطن القوي نحو الصين، ودعمها الاقتصادي المتزايد منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، لما تغير وجه الصين بالكامل، ولما أصبحت واحدة من أكبر القوى الاقتصادية في عالمنا المعاصر.
لقد كانت "حرب الأفيون" من أغرب الحروب التجارية التي شهدها تاريخ البشرية، حيث تحول عدد كبير من الصينيين إلى مدمنين شرهين لهذه المادة القاتلة، وأصبح من المشاهد المألوفة رؤية عشرات الآلاف من الصينيين يحتضرون في الشوارع بسبب الإدمان المدمر، وعلى الرغم من مساعي الحكومة الصينية اليائسة للتخلص من هذه الآفة، إلا أن ضعفها العسكري أجبرها على الخضوع للإرادة البريطانية أولاً، ثم للإرادة البريطانية الفرنسية لاحقًا، والامتثال لشروط قاسية أجبرتها على فتح أبواب بلدها أمام تجارة محظورة روجت لها شركة الهند الشرقية سيئة السمعة.
حرب الأفيون تذكرنا بشكل كبير بحرب الكبتاجون المدمرة التي شنها النظام السوري السابق وبعض التنظيمات الإرهابية المتواطئة معه ضد دول المنطقة والعالم أجمع، عندما تم تصنيع وتصدير كميات هائلة من حبوب الكبتاجون، واستخدمت في تلك الحرب الدنيئة كل الوسائل الممكنة لإنهاك شعوب المنطقة وإعاقة التنمية المستدامة وإبقائهم أسرى الإدمان الخانق، بالإضافة إلى تحقيق مكاسب مالية ضخمة تساعدهم في تمويل مخططاتهم الإرهابية الخبيثة.
الأمر المثير للدهشة في حرب الأفيون هو غياب أي منطق تجاري سليم، فالإنجليز أجبروا الصينيين على قبول شراء الأفيون بالقوة الغاشمة تحت وطأة معاهدات مجحفة أرغمتهم على فتح موانئهم أمام التجار الإنجليز، بل ومنحهم معاملة تفضيلية خاصة داخل الموانئ والمدن الصينية، وفي ضوء ذلك، استولت إنجلترا على إدارة مدينة هونغ كونغ الاستراتيجية، ولم تعدها للصينيين إلا في عام 1997 بعد مفاوضات طويلة وشاقة.
لا شك أن حرب الأفيون كانت حربًا تجارية في جوهرها، ولكن القوي (بريطانيا العظمى) استخدم كل الأساليب القذرة ضد الضعيف (الصينيين) بما في ذلك الأفيون، وفتح الأسواق أمام تجارها المتعطشين للوصول إلى المال الوفير وتوسيع نفوذها الذي لا تغيب عنه الشمس أبدًا، لقد كانت حربًا غير أخلاقية بكل المقاييس.
كان فرض الامتيازات التجارية منتشرًا على نطاق واسع في العالم منذ عام 1500 ميلادية، خاصة في المنطقة الواقعة بين الأسواق الأوروبية وأسواق الهند والصين مرورًا بالعالم العربي الغني، بعدما نشط البرتغاليون والفرنسيون والإنجليز وبدأوا في توسيع نطاق تجارتهم وتعزيز أساطيلهم البحرية الضخمة، فارضين تجارتهم بالقوة وعاقدين اتفاقيات ومعاهدات تخدم مصالحهم الأنانية، وكان من أشهرها اتفاقية الامتيازات العثمانية مع الفرنسيين والإيطاليين والإنجليز، التي نصت بوضوح على أنه "لا يجوز محاكمة الفرنسيين ومستخدميهم وخادميهم فيما يختص بالمسائل الدينية أمام المأمورين الأتراك"، كما تسمح البنود في حال وجود خلاف تجاري أو مالي بين أي من الرعايا الأوروبيين مع أحد العثمانيين، ولم يفِ الأوربي بالاتفاق فلا يسأل أبدًا.
اليوم.. هل يعيد التاريخ نفسه، مع اندلاع حرب تجارية طاحنة أخرى بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، ربما تكون أكثر خطورة وتدميراً؛ لأن ضررها قد يطال العالم أجمع بلا استثناء، إلا أنها ليست حرب الإدمان على الأفيون، بل حرب الإدمان على النفوذ والهيمنة والقوة الاقتصادية المتزايدة.
فالأمريكي يؤمن عن قناعة بأنه السبب الرئيسي وراء التفوق التجاري الصيني الحالي، وأنه لولا دخول التقنيات والاستثمارات الأمريكية الهائلة بداية السبعينيات الميلادية، ونقل عدد كبير من الصناعات الغربية المتطورة إلى الصين، لما كانت الصين اليوم بهذه العظمة والقوة الهائلة، والصينيون يرون أنه لولا مهارة عمالتهم ورخص أجورهم، لما استطاع العالم أن يجد بضاعة رخيصة في الأسواق، ولما تمكن الأوروبيون والأمريكيون من بيع منتجاتهم التي تعتمد بشكل كبير على المنتجات والعمالة الصينية، إنها حرب فرض القوة والنفوذ، وعض الأصابع المؤلم.. فمن سيتألم أولاً ويصرخ طلبًا للنجدة؟.. هذا هو السؤال الكبير الذي يطرح نفسه بقوة.